الصفحة الرئيسيةمتابعات علمية

مسألة تعليم البنات في المغرب في الأربعينيات /٤

بقلم ذ. محمد الطوكي

مدارس تعليم البنات في الأربعينات :

كان البدء بتهييئ الرأي العام المغربي لاحتضان مشروع تعليم البنات عن طريق إعطاء المثال من لدن صاحب القرار السياسي أولا ثم الإذن لصناع الرأي العام بالقيام بإقناع جمهور الأمة بمصلحة الأخذ بالقرار. وهكذا.

1- أمر جلالة المغفور له محمد الخامس، بتشييد المعهد المولوي في 18 مارس 1941 ودشنه بشطريه ؛ أقسام الأمراء وأقسام الأميرات في 20 يناير من سنة 1942. وقد وصف العلامة عبد الله الجراري وقائع التدشين، وأشار إلى برامج التعليم المولوي ومناهجه ونص على مجموعة من خيرة أساتذته، في مصنفه شذرات تاريخية (25).

2- عمد جلالته – محمد الخامس – باستشارة من رأى فيهم أهلية مقاربة هذا الشأن، وعلى رأسهم – رؤساء قدماء تلاميذ المدارس العصرية الفرنسية (26) من فاس والرباط ومراكش، طالبا منهم تهيييء تقارير حول سير تلك المدارس المقترحة ثقافيا وصناعيا. ولدى المقابلة دارت أحاديث حول تعليم البنت، وكيف يجب أن يسير هذا التعليم، وما هو النوع المناسب من برامجه، وتقدير السن التي تقبل فيه الفتاة والتي تنتهي من الدراسة فيه ولا تعود تقبل فيه فيما بعد، والطريقة التي يجدر استعمالها في اختيار المدرسين الذكور لتعليم البنات المسلمات ريثما تتهيأ الفتاة لأداء هذه المهمة التثقيفية. وفعلا أنجزت التقارير وفق المطلوب . ومما جاء في تقرير رئيس جمعية تلاميذ اليوسفية الذي رفع إلى جلالة الملك محمد الخامس بتاريخ 6 مارس 1943.

“الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله .

مولانا الإمام حامي حوزة الدين، القائم بنشر فضائله بين طبقات شعبه – سلالة الأماجد الأطهار، وعترة الرسول المختار، أبا عبد الله سيدنا محمد بن سيدنا يوسف أيد الله نصره، وخلد في الصالحين ذكره .

مولانا تلتمس جمعيتنا من جلالتكم الكريمة وضع اللبنة الأولى في تعليم الفتاة المغربية، بأن تولوها عنايتكم السامية، فتلقن الدراسة الابتدائية الضرورية لكل تعليم ثابت الدعائم، وكل تربية موطدة الأسس، بحيث تحرز الفتاة بعد الفراغ من هذه الدراسة – على شهادة ابتدائية تهيئها للمهمة الاجتماعية المنوطة بها في دائرة ديننا الحنيف وأخلاقنا السامية، وعاداتنا المرعية .

لقد أصبح من الضروري تعليم الفتاة المغربية لإصلاح حالها، وتقويم اعوجاجها ؛ حتى تكون عامل قويا في رقي مجتمعنا وسعادته. فنحن وإن كنا لا نتطلب منها الآن ثقافة عالية، فإننا نود أن تصبح في القريب العاجل لأسرتها خير مثال يحتذى، ولزوجها أحسن مساعد يستشار، ولأولادها أكبر مرب خبير .

وغرضنا من هذا التقرير الموجز – وضع الأسس التي نرجو لتعليم البنات أن يرتكز عليها ؛ حتى يؤدي مهمته على أحسن وجوهها ؛ لأننا لا نرتاح تمام الارتياح إلى التعليم الحالي لعدم توحيد برامجه، وإهمال العربية والتربية الدينية فيه ” (27)

3- بادرالشيخ محمد بن العربي العلوي، وهو وقتئذ وزير العدل، إلى إلقاء محاضرة (28) على أمواج الإذاعة الوطنية آنذاك في الدعوة إلى هذا التعليم، والتأكيد على ضرورته، وذلك يوم ثالث عيد الفطر عام 1362 هـ موافق ثالث أكتوبر 1943 .

4- أعيد نشر المحاضرة في جريدة السعادة على امتداد ثلاثة أعداد، ابتداء من العدد 12 أكتوبر 1943 فما بعده. عدد 5952 .

5- وتعتبر وثيقة المطالبة بالاستقلال المؤرخة ب 11 يناير 1944 منعطفا سياسيا هاما في الخروج من دائرة المطالبة بالإصلاحات الجزئية إلى المطالبة بالاستقلال، فهي تمثل قمة ثقة وتلاحم وتواشج الحركة الوطنية بقائدها الملهم جلالة المغفور له محمد الخامس، الذي يعتبر كما يقال أبا بكرتها (29).

يقول المرحوم المناضل والأديب محمد الحبيب الفرقاني : “في الواقع قبل أن تقدم هذه الوثيقة إلى الملك محمد الخامس بصفتها الرسمية – المتداولة – كان قد تم لقاء، أو لقاءات سرية، بين جلالة المغفور له محمد الخامس، وخمسة من قادة الحركة الوطنية، عرضوا على جلالته فكرة العريضة، التي كانت مختمرة في ذهنه، فأيدها واعتبرها خطوة مفروضة وضرورية، وعرضت عليه في نصها بعد ذلك ، فاقترح إضافات وتعديلات أدخلت عليها. ومنذ ذلك الحين، وعلى أساسها تم حلف وطني بين جلالته والحركة الوطنية على النضال الصامد والتواصل من أجل الاستقلال” (30).

تعتبر هذه الوثيقة من المداخل الأساسية للتعليم بصفة عامة ولتعليم الفتاة بصفة أخص ، “ففي هذه الفترة، فترة الأربعينات تبنى جلالة الملك المرحوم محمد الخامس تنظيم التعليم الحر، واشرف على وضع ميثاقه، ثم أسس اللجنة الملكية للتعليم، وكانت مهمتها وضع برنامج رسمي للتعليم الحر، استنادا إلى مبادئ وتوجيهات ميثاق التعليم، مما رسم لهذا القطاع برنامجا موحدا” (31) ومن ثم حسم الأمر في تعليم الفتاة، “وفي أواخر سنة 1944 خرج مشروع تعليمها إلى حيز الوجود ، وصدر الأمر بإجراء مباراة لاختيار مدرسين من مختلف مدن المغرب بواسطة القضاة، ورؤساء المجالس العلمية، حسبما تقرر في الاجتماع الملكي، كان ذلك أخذا بالاحتياط لجانب الفتاة التي كانت وقتئذ جبهة قوية تعارض فكرة تعليمها وخاصة تولية الرجل ذلك. ومن يومئذ، وبأمر مولوي، أخذت المباراة تجري بالقصر الملكي سنويا لاختيار مدرسين كفاة علما وتقوى وورعا، وأصبحت البنت تكرع من معين المعرفة كأخيها الفتى جنبا لجنب … وقد أعطى العاهل، طيب الله ثراه، للشعب المغربي النبيل نماذج حية، تمثلت جلية في كريماته الأميرات، خاصة الأميرة للاعائشة لما كان لها من مواقف مثلت فيها والدها الملك الهمام في مراكش والبيضاء وفاس وطنجة والرباط وسلا” (32).

فبخصوص مراكش، جرت زيارة مجموعة من المدارس في ربيع 1945 وهي على التوالي :

– “المدرسة العبدلاوية جوار مسجد باب دكالة ، التي شرفها سمو ولي العهد مولاي الحسن بخطاب رائع.

– مدرسة بجوار درب الحلفاوي مؤسسها مولاي أحمد الباعمراني، المدعو مولاي الحاج السراج .

– مدرسة الفلاح بحي القصبة لنفس المؤسس.

– كما زارت الأميرة عائشة مدرسة البنات المسلمات بسيدي عبد العزيز .

– وفي يوم 22 مارس من نفس السنة زار ولي العهد الجليل مدارس في مقدمتها مدرسة الحياة، وتلقاه تلامذتها بأناشيد عذبة على نغمات مطربة، وألقيت كلمات كان ختامها خطاب سمو ولي العهد الذي تناول فيه على الخصوص ؛ إنهاض الهمم، وبعث التلاميذ على المثابرة والاجتهاد ” (33).

أما بخصوص مدرسة الفضيلة، فقد أكد لي من أثق به من وطنيي مراكش، وعلى رأسهم محمد الحبيب محيي، أن الأميرة زارت فعلا مدرسة الفضيلة للبنات – والتي تعتبر امتداد أنثويا لمدرسة الحياة الذكورية – في نفس الشهر وفي نفس السنة التي شرفت بها المدارس الآنفة الذكر.

وبما أنني لم أوفق لحد الساعة في العثور على الخطب التي ألقتها الأميرة للاعائشة في رحاب المدارس المراكشية التي باركتها، فسأسوق، للاستئناس، فقرات من خطبها في مثل هذه المناسبات، فالأهداف التربوية والتعليمية والوطنية واحدة، وإنما يختلف المكان وظلاله وخصوصية تاريخه.

فمن تلك الخطب الحاملة لهموم المدافعة والمحاججة، على ضرورة تعليم البنات، بالنقل والعقل والوقائع التاريخية، قولها بعد الحمد والصلاة على الرسول الأكرم .

“أيها السادة : لنهوض الأمم ورقيها وتفوقها مظاهر مختلفة، وأمارات متباينة سجلها المؤرخون وبحثها المفكرون، ولكن ما من نهضة خلقية واجتماعية وعلمية حقيقية إلا وكان للمرأة فيها حظها الأوفى ونصيبها الأوفر، فنحن إذا قلبنا الطرف بين طيات التراث الفائق الذي خلفه لنا سلفنا الأماجد، نلاحظ أن النساء المسلمات تركن في عصور الازدهار أثرا لا يمحى، وعملا ينسى …

إلى أن قالت سموها : فكم ضمت بيوت مكة والمدينة من مؤمنات قانتات خبيرات بأمور دينهن ودنياهن، وكم أنصتت قصور دمشق وبغداد، إلى شاعرات وكاتبات، وكم رددت جدران قرطبة وغرناطة وفاس ومراكش صدى المذاكرات والمناقشات والبحث والتنقيب بين نساء طاهرات زكيات تقيات .

واستمرت في خطابها القيم تشيد بالعلم والعلماء والعالمات شرقا وغربا خاتمة بالفقرات التالية :

لقد أشرف على المغرب، وأخذ بيده ملك عبقري، ومصلح اجتماعي، وقائد خبير، عجم عود الشعب فأدرك ما حباه الله به من الحيوية والاستعداد. وبحث عن سبب كبوته وسر تدهوره، وأعد لهما الدواء ؛ فحمل راية النهضة مترئسا بنفسه قافلة الرقي، وضاربا لرعاياه المثل الأعلى ” (34).

وهذه خطبة أخرى للأميرة للاعائشة ألقتها سموها في حفلة مدارس البنات المسلمات بالقصبة في طنجة بتاريخ 11 يناير 1947 ، وفيها إشارة إلى المدارس التي دشنتها بمختلف المدن المغربية ومنها مراكش. وهذه فذلكة منها :

“أيها السادة ، في الأشهر الأخيرة قمت بزيارة أربع مدارس من حواضر المغرب، ألقيت في كل منها خطابا أو خطابين، لقد دشنت مدرسة بمراكش واثنتين بفاس وأخرى بالبيضاء – في 12 مارس 1947 – قبل رحلة طنجة بنحو شهر – واثنين بسلا، ووجدت لدى سكان هذه المدن من الوعي واليقظة وحرارة الحماس ما يملأ القلب سرورا ، والنفس حبورا، غير أن زيارتي لمديتكم الجميلة في ركاب والدي أعزه الله، ومشاهدتي لتلك المظاهرات العجيبة التي قابلتم بها موكبه الملكي، جعلت لطنجة في ضميري مكانا خاصا ومنزلة رفيعة، فإليكم شكري وتهنئتي.

أيها السادة : تمر الأمم والشعوب في حياتها بأطوار متباينة وتقطع مراحل مختلفة، وتشعر بإحساسات متناقضة، فالأمة في عصر هرمها وسقوطها تعيش مفككة الأجزاء ، متضعضعة الأطراف، مبلبلة الأفكار، يعمل كل فرد منها لمصلحته الخاصة، وربحه العاجل، وكأن ليس بينه وبين بني وطنه صلة روحية أو رابطة اجتماعية أو أخوة قومية …

إلى أن قالت سموها : لقد انقضى ذلك العهد البغيض الذي كان يعمل كل مغربي لنفسه لا يهمه إلا عيشه ، فالمغربي اليوم عظيما كان أو حقيرا ، كبيرا أو صغيرا ، مستعد للتضحية بماله وهنائه بل وحياته في سبيل حق المغاربة وسعادتهم وعزهم وفخارهم، ثم إن مجموعة الأمة قد برهن على استعداد كامل وتسابق إلى العمل، ومن أراد الدليل على ذلك فليجل الطرف في عشرات المدارس التي ارتفعت جدرانها بسرعة فائقة في حواضر المغرب وبواديه، هي أعمال مغربية بالرجال القائمين بها، مغربية بالبرامج المطبقة فيها، مغربية بالأموال المنفقة عليها، مغربية بالأهداف التي تسعى لتحقيقها، فهل بعد هذا نوسم بـأننا قوم كسالى خاملون، وبالأوهام والخرافات متشبثون، لقد فتحت التجربة عيون المغاربة وأنارت المعرفة أذهانهم وامتلكت المدنية الحق قلوبهم وألبابهم، فلا حاجز يقف في طريق نهضتهم، ولا صاد يعوقهم عن إدراك بغيتهم، ولا صعوبة تردهم عن سعيهم، بل هم إلى النجاح سائرون، وإلى قمة المجد صاعدون، ضمنوا الظفر باجتماع شروطه الثلاثة : العقيدة الثابتة، والهدف الجدي، والقائد الخبير المسموع الكلمة، تجتمع عليه الأمة، فالإسلام عقيدتنا لا نبغي بها بديلا، وحق الوطن هدفنا نضحي في سبيله بالعزيز والغالي، وملك المغرب قائدنا تحت قيادته نسير، وبهديه نهتدي، وبأمره نأتمر، وحول عرشه نلتف، ذلك العرش الذي هو للأمة المغربية رمز وحدتها وقوتها وعزتها … (35) ” إلى آخر الخطاب الأميري العامر.

ونختم هذا المقطع من بحثنا بقصيدة، تندرج في الجنس الأدبي الخاص بعالم تدشين المعاهد الوطنية الحرة، أنشدت في تهنئة سلا بمعهدها الجديد، للأديب الشاعر أبي بكر الجرموني (1924-1989) مدير مدرسة الفلاح الحسنية بحي القصبة بمراكش خلال الأربعينات، ويرجع تاريخ هذه القصيدة إلى 28 دجنبر 1946 .

قصيدة كافية من بحر الكامل

بُشراك بنتَ سلا أجَــــــــــــلَّ بشراك

عهد يفــــــوح شـــــذى ويغمر بهجة

عهد يموج عُـــــــلا ويطفح عــــــزة

هذي الأميرة وهي بعــــــد زعيمة الـ

هذي الأميرة وهي قــــــائــــدة الفـتـا

جاءت تخط لك السبيل إلى العــــــلا

جاءت تنــــــيــــر لك السبيل فأدمني

جاءت لتنفخ فيــــــك بعض طموحها

جاءت لتخلق فيك توقــــــــــــا للعلا

جاءت لتلفت منك طـــــــــرفا غافيا

جاءت لتــــوقظ فيك إحساسا بعـــزة

قـــــــــوم بهمتهم  سمت ذكــــراهـم

إن أنس لا أنسى الأميرة قـــــبلُ في

وتُهيب بالفتيات كـــــــي يرغبن في

وتحثهن على ارتشاف مناهـــل الــ

وتجودُ حينئذ بغــــــــــــــر نصائح

وتبادل الأخـــــــوات خير عواطف

وبفاس الغراء قـــــــــــــد فعلت بها

سطعت هنالك، بعد بين ، شقائــــــق

توحي وترشد للسمو وترسم المـثـــ

أفتاة هـــــــــذا الأطلس السامي تـرا

هذا المليك الشهم شـــــــــاد مدارسا

يرجو ونرجــــو أن تُعيني في الــــ

وتـقــــــــاسميه نعيمه وهــنـــــــاءه

وتشـــــــــــــاطريه بؤسه وشقــاءه

وتـــــــــــرافقيه إن دعتك ضرورة

إنا لنرجــــــو مـنــك كــــــل عظيمة

إن الملك زعيم هــــــــذا الشعب قــد

فليحيى للوطــــــن المليك زعيمنا الأ

وليحيى بعد ولــــــي عهده والأميـــر

***

***

***

***

***

***

***

***

***

***

***

***

***

***

***

***

***

***

***

***

***

***

***

***

***

***

***

***

***

***

عهد مليء بـــــــــــــــالمنــا حياك

ويشع فيه عــــــلى الوجود سَنـَاك

قومية ً وتمـيــــــس فـيــــــه مناك

ـفتيات ترجـــــــو منك بعث قـُوَّاك

ة إلـــــى النهوض أتت تروم هُداك

ء فـــسددي نحــــــو العلاء خطاك

نحو العلا في ذا السبيل سُــــــراك

حتى تباري للعَـــــلاء سِــــــــواك

تــــدعــــــــــــوك أيتها الفتاة ُ ذاك

لعلي الجدود فــهـــــل شعرت بذاك

قـــــــــــومِك البانين صرح علاك

فغــــــــدت تردد في ذرى الأفلاك

مــــــراكش تـــذكي الحماس هناك

كـــــــل اعـتـــــلاء ممكن الإدراك

عــــــــرفان كي يَطهرن كالأملاك

منظـــــــــــومة كالدُّر في الأسلاك

متضوعـــــــــــــات بالأريج ذواك

في معهد حـــــر هناك كـــــــــذاك

تـــــــوحي إليهن الهـــــدى كملاك

ــل العــــــــــــلا وتهيب بعد دراك

ك علمت ما يــــــرجى لديك تراك

كي يستنير بنُــــورهـــــــن حِجاك

ـقيام بــــواجــبات للحيــــــــاة أخاك

فيكـــون فــــي الــــدنيا هواه هـواك

فيكــــــــون حينئذ ضـــنـاه ضناك

في كـــل مصطدم وكـــــــل عراك

تسمـــو بها بين الــــــــورى ذكراك

أولى الفـــتى مــــــثــل الذي أولاك

على وكهـــف منى الفتى ومنـــــاك

ة والأخ الفــــذ الهمــام الـــــــزاكي

 

وزاد القصيدة روعة أنها ألمت بمواقف نبيلة سابقة من نوع هذا التدشين، كمراكش وفاس، واعية ما سجله التاريخ الأمين من أعمال ثقافية يعدها التاريخ من معجزات الظرف العصيب الذي نشأت فيه ونمت” (36).

يقول Joseph luccioni عن المدارس الحرة وما انتهت إليه في الأربعينات : “لقد شيدت هذه المدارس الحرة من قبل محسنين محليين، وكان الدافع إلى ذلك هو الحماس الوطني والمشاعر الغيرية الناجمة عن الحركة الوطنية، لقد عرفت هذه المدارس نجاحا منقطع النظير، إذ بلغ عددها في سنة 1948 ستا وثلاثين مدرسة، كان عدد المسجلين فيها 5827، فيهم 3414 تلميذا و 2688 تلميذة. وقد صنفت هذه المدارس في ثلاث طبقات، أخذا في الاعتبار بعدد التلاميذ، والنتائج المحصل عليها في الامتحانات، والتجهيز الإداري،والتسيير بما في ذلك شخصية مدير المؤسسة. وجميعها يطبق البرنامج المقرر من طرف مندوبية التعليم، وهو برنامج مطابق لما به العمل في القرويين، ويتضمن بالإضافة إلى مواده العربية والإسلامية ساعة يومية لكل قسم خاصة بالفرنسية، باستثناء السنوات الأولى” (37).

هذا عن المنطقة الواقعة تحت نير الاستعمار الفرنسي، أما المنطقة الشمالية بالمغرب الواقعة تحت كماشة الاستعمار الإسباني، فنجدهم قد اتخذوا من تطوان ابتداء من 1912 عاصمة لمنطقة نفوذهم الاستعماري.” ولم تختلف السياسة الإسبانية في بدء الهيمنة والحكم المباشر عن السياسة الفرنسية، إلا أن الإسبان جنحوا في ميدان التعليم إلى شيء من التساهل والتزلف للأهالي، فلم يضايقوا المدارس العربية الحرة التي كانت تفتح إلى جانب المدارس الإسبانية، وسمحوا باستقدام أساتذة من الشرق العربي للتدريس بها، كما سمحوا بإرسال بعثات طلابية إلى مصر، وفتح دار المغرب بالقاهرة للعناية بشؤون الطلاب ” (38).

تلك نظرة تاريخية عامة عن التعليم في المغرب بين سنتي 1912 و الأربعينات من نفس القرن، اعتبرناها مساهمة تاريخية يمكن استحضارها والاستئناس بها، في النقاش الدائر اليوم حول إشكالية التربية والتعليم، عالجنا فيها الشأن التعليمي المغربي قبيل الحماية وأثناءها وما تولد من ردود فعل وطني على التحدي الاستعماري ممثلا في إنشاء مدارس حرة، ابتدأت بحسب طبيعة الأمور، محتشمة ثم أخذت في النمو بعد الظهير البربري لتبلغ أوجها في الأربعينات، ووقفنا بصفة أخص عند الملابسات التي احتفت بقضية تعليم البنت قبل الحماية وأثناءها، إلى أن استقرت وتوطدت وأعطت أكلها بفضل تضافر الجهود بين الحركة الوطنية وقيادة جلالة المغفور له الملك محمد الخامس، الذي أخذها على عاتقه جنوبا وشمالا وأعطاها ما تستحق من العناية والاهتمام .

يقول ألبير عياش : “إن أثر تعليم الحماية في المغرب لا تختلف في شيء في العمق، عن آثار أي تعليم تقوم به القوى المحتلة في أي بلد مستعمر آخر ؛ لقد كان عملا للاضطهاد الثقافي موجها لمنع تفتح الشخصية الوطنية ووعي الواقع الاستعماري، وهي محاولة باطلة ؛ لأن السيطرة الاستعمارية بخلخلتها للتوازن الاقتصادي والاجتماعي والتقليدي حررت قوى جديدة، وقادت إلى امتلاك الوعي الذي كان يرجى إبعاده “

arArabic