الصفحة الرئيسيةمتابعات علميةمقالات وأبحاث

حين اعتمد المرينيون والوطاسيون على الصوفية الزرّوقية والجزولية لاكتساب الشرعية

بقلم نبيل محمد ملين*

حاولت السلطات المرينية ومن بعدها السلطات الوطاسية أن تستفيد من الصعود الكاسح للمؤسسات الصوفية لتكتسب أساسا جديدا للشرعية. منذ النصف الثاني من القرن الخامس عشر وعلى امتداد القرن السادس عشر اقتسم تياران صوفيان ينتسبان إلى الشاذلية الفضاءَ الاجتماعي-الديني المغربي وهما الزرّوقية والجزولية.

33اعتمد أحمد زرّوق [ت1498] طريقة نُخبوية تقوم على وحدة الشريعة والحقيقة مستلهما الأفكار الصوفية الإصلاحية لابن عباد الرندي [ت1390] ومحمد القوري [ت1467] وهما من ممثّلي تقليد مغربي أندلسي متجذر. فبالنسبة إليه كان رجوع العصر الذهبي للإسلام يقف على إعادة فتح باب الاجتهاد الفقهي وتنقية العقيدة. لذلك أدان بشدّة الممارسات الدينية الشعبية خاصة شفاعة الأولياء. وكان يؤكّد أيضا على أنّ الأداتين المناسبتين لإصلاح المجتمع وتجديد الإسلام هما التربية والعلم. ولكن ينبغي إبعاد هذا المسلك الإصلاحي عن المجال السياسي. فقد كان زرّوق يقول باعتزال السياسة وطاعة أولياء الأمر ما لم يتعمّدوا انتهاك أحكام الشريعة. وبناءً على ذلك فقد اعتبر كل تمرّد على سلطان الوقت مهما كانت أصوله ومبرراته وغاياته فعلا غير شرعي. فهو مثلا يرفض التمرد وإن كان بحجة تولية واحد من ذرّية النبي رغم اعترافه للأشراف بتفوّق اجتماعي ديني على بقية المسلمين. إنّ هذا الأمر يُفسّر جيدا معارضته لخلع آخر الملوك المرينيين سنة 1465 ورفض أتباعه مثلما سنرى تنحية آخر الملوك الوطّاسيين والاعتراف بالسلطة الأشراف سنتي 1549 و1554. وأخيرا كان زرّوق يرفض المهدوية ويدين مدّعيها الذين لم يكونوا حسب رأيه إلا متنطّعين طامعين في المُلك. وقد كان للأفكار الإصلاحية لزرّوق بعد وفاته بسنوات وقع حسن عند النخبة الدينية الحضرية في المغرب وخاصة في فاس بفضل تشجيع السلطات الوطّاسية .

وعلى خلاف الطريقة الإصلاحية الزروقية فقد اتّبع محمد بن سليمان [ت1465] مؤسّس الجزولية مسلكا آخر. فبفضل مزج وتنظيم ظواهر صوفية ومهدوية مختلفة كانت موجودة داخل المعترك الديني السياسي المغربي أضحى باستطاعة محمد بن سليمان الجزولي أن يضع طريقة وأن يُطوّر حركة سياسية-دينية ستكون مدعوّةً للعب دور بارز في المجال الاجتماعي المغربي بدايةً من النصف الثاني من القرن الخامس عشر وعلى امتداد القرن السادس عشر.

كانت عقيدة الجزولي بسيطة تقوم على احتكار الميراث النبوي. وبعبارة أخرى فقد كان محمد بن سليمان في الآن نفسه شريفا ينحدر من نسل النبي وقطبا ينحدر من سلالته الروحية فهو نائبه ومستودع معارفه وأسراره الباطنية وهو مجدد الدين والشريعة وهو المهدي الذي سيملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا. ولذلك لن نستغرب أن يُسمّي أتباعه طريقتهم بالطريقة المُحمدية وأن نرى بعضهم يعدّون أنفسهم ورثة النبوّة الحصريين أي أنهم يحتكرون الحقيقة المؤدية إلى النجاة في الدارين. وهذا مسلك عادي درجت عليه الكثير الفرق والنحل منذ صدر الإسلام.

36وهكذا تمكّنت الجزولية من استثمار أهمّ الأفكار الدينية السياسية المنتشرة في البلاد منذ عقود عدّة وجعلها عقيدة متماسكة لتجييش مخيال الناس ومشاعرهم وكسب موالاتهم وهم الذين كانوا معتادين على مثل هذه المفاهيم. وفضلا عن الأساس العقدي الذي سيستولي عليه بيت الأشرف خاصّة على عهد أحمد المنصور فإنّ الجزولي وأتباعه استطاعوا إقامة شبكة طرقية شديدة الامتداد وهي شبكة سيتمّ استعمالها من طرف مؤسّسي المُلْك الشريفي.

37ومهما بلغت من قوة تنظيمية وحظوة عند الناس لم يكن باستطاعة الطرق الصوفية بمفردها مواجهة الحضور الإيبيري والفوضى السياسية والضائقة الاقتصادية والمرج الاجتماعي. فقد وصلت وطأة هذه الأزمة العامة إلى أشدها في السنوات الأولى من القرن السادس عشر حتى ظنّ الكثير من الناس الذين كانوا غالبا ما يفسرون الأحداث من منظور ديني أن وقت الساعة قد أزف ولا سيما في المناطق الجنوبية من البلاد التي تضررت بشدة من جراء الكوارث الطبيعية والاقتتال الداخلي والوجود البرتغالي. ولذلك يجب أن لا نستغرب من انتشار العديد من النبوءات بين الخواص والعوام مفادها أن زمن ظهور المهدي قد آن. وكلّنا يعلم ما يختزله مفهوم المهدي في المخيلة الإسلامية من معاني التغيير والعدل والرخاء.

السلطان الشريف – الجذور الدينية والسياسية للدولة المخزنية في المغرب*
arArabic