فمما تطالعنا به المصادر التاريخية أن السلطان مولاي الرشيد بن الشريف العلوي (ت.1082ﻫ/1672م) كانت له اليد البيضاء على العلم ورجاله، يحسن إلى العلماء ويقربهم منه، ويجري عليهم الإنفاق من بيت المال طول أيامه، ويسهر على دعم الكراسي العلمية بمساجد الحواضر المغربية، وذلك بوقف الأوقاف على تدريس العلم بها، وتخصيص المكافآت الخاصة للعلماء والمدرسين، زيادة على ما يأخذونه من مستفاد الأوقاف، رغبة منه في تنمية الحياة الفكرية وتنشيطها.
ولم يقتصر عمل السلطان مولاي الرشيد في المجال الثقافي على المساهمة في إحياء الكراسي العلمية وفي إنشاء الخزانات العلمية وحسب، وإنما تجاوز ذلك إلى تأسيس بعض المؤسسات العلمية، عِلماً منه أن هذه المؤسسات هي منطلق العلوم ومبعث الفهوم. وهكذا نجده يؤسس مؤسستين علميتين هامتين، وهما مدرسة ابن صالح بمراكش ومدرسة الشراطين بفاس.
ففيما يتصل بالمدرسة الأولى، فقد أمر ببنائها بإزاء جامع الولي الصالح الشيخ أبي عبد الله ابن صالح، وقد كانت هذه المدرسة مأوى للطلبة الآفاقيين الذين يَؤُمُّون مراكش طلباً للعلوم التي كانت تدرس آنذاك بالجامعة اليوسفية، غير أن هذه المدرسة ليست هي المدرسة الوحيدة التي تأوي الطلبة الآفاقيين هناك، وإنما توجد إلى جانبها مدارس أخرى، لتكون مسكناً للطلبة الغرباء الذين يُقبِلون على هذه البلدة، لكونها تعتبر قبلة إشعاع فكري وثقافي في الجنوب، مثلما كانت فاس تعتبر قبلة إشعاع فكري وثقافي كذلك في الشمال. ومن بين هذه المدارس الموازية لها في مراكش نذكر : مدرسة ابن يوسف، مدرسة المواسين، مدرسة الزاوية العباسية، مدرسة باب دكالة، مدرسة القصبة، ومدرسة حم يحة.
وقد استقبلت هذه المدارس آلافاً من الطلاب الوافدين على مراكش بغية الاغتراف من مناهل المعرفة الزاخرة بالجامعة اليوسفية، وقد كان يسمح لهم بالسكن فيها مجاناً، لأنها وقفت لهذا الغرض، كما أن الخبز كان يوزع عليهم مجاناً كل يوم، وكانت لهذه المدارس أوقاف عديدة تساهم في دعم الحركة الفكرية بها، ويبدو ذلك جليا مما تضمنته حوالة أحباس مراكش من معطيات مفيدة في هذا الباب، ساقها لنا الباحث السعيد بورگبة في مؤلَّفه القيم عن دور الوقف في الحياة الثقافية بالمغرب في عهد الدولة العلوية .
أرشيف المراكشية