الصفحة الرئيسيةدراساتمقالات وأبحاث

الترجمة والإبداع في المغرب

د. محمد آيت لعميم
تهدف الترجمة إلى تجديد شباب النص فهي تجدده على مستوى لغته محاولة بعث إمكانياته الخفية مما يزيد في حسنه وغناه، فالترجمة في جوهرها عملية تأويلية تستند بالأساس إلى الفهم، “وهي قول الشيء نفسه بطريقة أخرى” (بتعبير بول ريكور)، وبتعبير إيكو “هي قول الشيء نفسه تقريبا” Dire presque le même. فكل “لغة تبدو ضامرة في وحدتها ونحيفة ومعاقة فبفضل الترجمة أي بفضل هذه الإضافة اللغوية التي تقدم عبرها لغة معينة بطريقة متناغمة ما تحتاج إليه لغة أخرى، فإن الالتقاء بين اللغات يضمن نموها ويتم الإعلان عن ذلك في عملية الترجمة عبر خلود الأعمال أو النهضة اللامتناهية للغات” (جاك دريدا، بسيشي، ابتكار الآخر).


إن الترجمة بهذا المعنى هي كتابة النص في لغة أخرى، ومن تم فهي إبداع حقيقي، حتى نخرج من عقدة المترجم الخائن، والمترجم الوسيط بين سيدين، اللغة المنقول منها واللغة المنقول إليها، هذا التصور للمترجم /المبدع مازال لم يتبلور بشكل جلي في الحركية الترجمية العربية بصفة عامة، وآية ذلك أن اسم المترجم غالبا ما يتوارى عن وجه الغلاف وكأنه اقترف شيئا منكرا لأن الصورة التي تكونها دور النشر أنه وسيط وناقل.
عرفت حركة الترجمة في المغرب منذ نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات حركية ملحوظة على مستوى ترجمة النقد والفكر، وكان موطن الترجمة يركز بالخصوص في الجامعة حيث بادر مجموعة من الباحثين والنقاد الجامعيين (محمد برادة، عبد السلام بن عبد العالي، سعيد بن كراد…) إلى ترجمة كتب أو فصول من كتب نقدية. قد تركز الاهتمام في هذه اللحظة على ترجمة نقاد كان لهم تأثير كبير على النقد في المغرب من أمثال رولان بارت، ميخائيل باختين، تودروف، أمبرطو إيكو، ياوس، آيزر، الشكلانيون الروس، جاكبسون، جوليا كريستيفا ونقاد آخرون… لقد مكنت ترجمة هؤلاء سواء ترجمة كلية أو جزئية من خلق دينامية نقدية مغربية متميزة جعلت المغرب يصنف باعتباره بلد نقاد، له ميل شديد إلى الفكر والأفكار على حساب الإبداع، هذا التصور بدأنا نلاحظ أن المغاربة شرعوا في تعديله مركزين حول ترجمة الإبداع العالمي، ولقد اضطلع بهذه المهمة مجموعة من الكتاب والأدباء والنقاد أيضا. لكن يبقى التساؤل المطروح هو، إذا كانت ترجمة النقد والفكر قد أحدثت طفرة في النقد المغربي فهل تمكنت ترجمة النصوص الإبداعية من خلق تميز مغربي على مستوى الكتابة الإبداعية؟
نشأت ترجمة الإبداع في المغرب في البداية عبر نزوع فردي ولم تكن منبعثة من مشروع مؤسساتي. ولذلك إذا حاولنا أن نقوم بمسح أولي لمواطن اهتمام التراجمة المغاربة للإبداع، سنلاحظ أن جل الذين قاموا بهذا النوع من الترجمة كانوا يلبون مطامح مرتبطة بمشاريعهم الشخصية من حيث التوجهات الإبداعية، فحيثما يجد الأديب ذاته فإنه يهتم بأديب أو كاتب معين ويقدمه للجمهور. فنجد مثلا أن الشاعر والأديب المهدي أخريف قد قدم للمكتبة المغربية والعربية ترجمات رصينة للكاتب العالمي البرتغالي فرناندو بيسوا وللكاتب المكسيكي الكبير أوكتافيو باث (راعي القطيع، اللاطمأنينة، اللهب الأزرق) ترجم هذه النصوص من لغتها الأصلية البرتغالية والإسبانية. وقد قدم الناقد والكاتب إبراهيم الخطيب نصوصا قوية إبداعية لكتاب عالميين على رأسهم الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس (المرايا والمتاهات، الدنو من المعتصم)، وكنا نتمنى لو ترجم أعماله كلها إلى العربية لتمكنه من اللغة الإسبانية ولرصانة ترجمته، وقد ترجم كذلك نصوصا للكاتب الإسباني الكبير خوان غويتيسولو (الأربعينية، حصار الحصارات، أسابيع الحديقة). لقد استأنف هذا العمل الترجمي من اللغة الإسبانية إلى العربية كل من الشاعر خالد الريسوني الذي ترجم دواوين شعرية كثيرة لشعراء إسبان، وكذلك الناقد والشاعر مزوار الإدريسي الذي بدوره قدم ترجمات لنصوص إسبانية مشهورة وأيضا هناك المترجم سعيد عبد الواحد الذي ترجم من اللغة الإسبانية والبرتغالية نصوصا قصصية مهمة، وكذلك الشأن بالنسبة إلى المترجم الشراطي الرداد الذي يترجم عن الإيطالية.
لقد أطل المغاربة على الإرث المكتوب بالإسبانية والبرتغالية وبعض النصوص بالإيطالية بفضل جهود هؤلاء الكتاب التراجمة الذين فسحوا المجال أمام القارئ للاطلاع على ثقافة مكتوبة بهذه اللغات تربطنا بها أواصر التاريخ والجغرافيا.
وفي السياق ذاته اضطلع بترجمة إبداع كتاب أمريكا اللاتينية ثلة من الدارسين والقصاصين المغاربة المنضوين تحت مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب بجامعة بن مسيك بالدار البيضاء، فقد ترجموا نصوصا قصصية ومجاميع لكتاب من أمريكا اللاتينية خصوصا في القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا حيث رسخوا مجموعة من الأسماء القصصية في المشهد الترجمي بالمغرب، وقد كانت تجربتهم موفقة للغاية لاسيما وأنهم خلقوا دينامية حقيقية في الإبداع القصصي بالمغرب ومن الممكن أن نعتبر عملا هذا عملا مؤسساتيا مرسوم الأهداف وموثقا بمجموعة من المنشورات سواء مجاميع قصصية مترجمة عن الإسبانية أو عبر مجلتهم “قاف، صاد” التي تعكس مشروعهم القصصي بالمغرب.
كذلك هو الشأن بالنسبة إلى بيت الشعر بالمغرب الذي تمكن من إرساء تقاليد ترجمة الشعر العالمي وإبراز مجموعة من الأصوات الشعرية المتميزة في لغات العالم. فقد نشروا مجموعة من الدواوين الشعرية المترجمة وأيضا ضمنوا مجلة “البيت” التي يشرف عليها الشاعر حسن نجمي والناقد خالد بلقاسم مجموعة من النصوص الشعرية الباذخة من لغات مختلفة.
في الآونة الأخيرة، بدأنا نلمس شيئا جديدا على مستوى ترجمة الإبداع بالمغرب خصوصا في الجانب الروائي الذي أصبح مطلوبا سواء من لدن بعض دور النشر أو من لدن القراء. لقد انتبهت بعض دور النشر المغربية اللبنانية (المركز الثقافي العربي) أو العربية مثل دار الجمل إلى قيمة المترجم المغربي ورصانته ودقته فشرعت في التعاقد مجموعة من المترجمين المشهود لهم بالخبرة الترجمية لاسيما من اللغة الفرنسية إلى العربية (نصر الدين شكير، خالد بلقاسم، أحمد اللويزي، محمد بنعبود، محمد آيت حنا…). أذكر على سبيل المثال المترجم الرصين شكير نصر الدين الذي يوازي في مشروعه الترجمي بين ترجمة النقد وترجمة الرواية، فقد تمكن من ترجمة كتاب هام جدا للناقد الروسي ميخائيل باختين حول “رابليه” وهو كتاب مرجع وعمدة حول رابليه والثقافة الشعبية وترجم أيضا نصوصا أخرى للناقد نفسه ما زالت المكتبة العربية في حاجة ماسة لأفكاره لاسيما وأن المترجم حرص على ترجمة هذه الأعمال في كليتها، وقد ترجم مجموعة من النصوص الروائية سواء في المركز الثقافي العربي أو في دارالجمل مثل “فتاة من ورق” (غيوم ميسو) و”الأيادي الموهوبة” (كاميلا لكبيرغ) و “صمت الآلهة” (جيلبير سينويه) و”الملكة المصلوبة” (جيلبير سينويه).
رغم هذه الجهود الترجمية الفردية، أو التي تأتي بطلب من دور النشر مازالت ترجمة الإبداع في المغرب محتاجة إلى مشروع كبير ذي طبيعة مؤسساتية حتى نتمكن من مجاراة ما يجري في اللغة الأخرى. ويلاحظ أيضا أننا نحن المغاربة نترجم في الغالب الأعم عن لغتين ورثناهما هما الفرنسية والإسبانية، فأين هي الآداب المكتوبة باللغة الإنجليزية والإيطالية والألماينة. إننا نحتاج إلى توجيه محكم نحو الترجمة من لغة أخرى حتى نتمكن من الاطلاع على آداب هذه الأمم، ونحن مطالبون بإعادة ترجمة النصوص الكلاسيكية المشهورة عند الأمم بأيادي مغربية. يبقى أيضا أن مجموعة من النصوص المهمة كتبها كتاب مغاربة في لغات أخرى لم تشملها إلى حدود الآن عملية الترجمة نذكر على سبيل المثال لا الحصر نصوص الروائي والشاعر الكبير محمد خير الدين الذي ترجمت بعض أعماله القليلة وبقي أغلبها في اللغة الفرنسية وأيضا أعمال الكاتب والمفكر عبد الكبير الخطيبي والروائي الشرايبي وكتاب آخرون آن الأوان كي تترجم هذه النصوص حتى يستفيد منها ليس المغاربة وحدهم بل الجمهور العربي المتعطش لهذه الأعمال.

arArabic