للمراكشية // ذ محمد الطوگي
أشير بدءا إلى أن المدى الزمني الفارق بين لحظتنا الراهنة هذه وبين فجر استقلالنا هو ستون سنة ونيف، ونتأسى في هذا المقام بملاحظة للأستاذ حرزني استهل بها مناقشته لأطروحة حول جاك بيرك – في تسعينات القرن الماضي بكلية آداب مراكش – مفاد تلك الملاحظة ؛ أن هذا المدى الزمني المقدر بجيلين والذي يفصلنا عن تولي عهد الاستعمار، كاف لأن يحول بيننا وبين معالجة قضايا فترة الحماية بذلك النوع من الانفعال الحاد والغضبات المضرية، وأن نعود إلى تدبر أحداث ذلك التاريخ بما له وما عليه، بدون تشنج وبمبعدة عن حدة العواطف الجياشة، واعتماد مقاربات علمية موضوعية ومنهجية صارمة.
تبعا لذلك سأعالج مسألتنا التعليمية انطلاقا من ثنائية المؤثر Effet / والحدث Événement . وأقصد بالمؤثر المصدر الذي يتحكم في أحداث ومظاهر عديدة، وطبعا فإن الجزئي لا يتأتى فهمه إلا برده إلى أصله المؤثر، فالمؤثر أصل والحدث فرع.
ولمزيد من شرح وتقريب تلك الثنائية يحضرني قول الله – تبارك وتعالى – ﴿ولتنذر أم القرى ومن حولها (2) ﴾. فمكة “أم” أي مؤثر، وبقية قرى الحجاز بمثابة أحداث مرتبطة بها ارتباط الصبي بأمه. فمكة بهذا الاعتبار أم ولود، بما أتيح لها من مقومات دينية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وبقية القرى أحداث تدور في فلك تلك الأم مستفيدة بما تدره عليها من مكاسب مادية ومعنوية .
فاعتمادا على تلك الثنائية فستنطوي إشكاليتنا التربوية على جدلية مؤثرين مختلفين :
– مؤثر تعليمي استعماري/ يقابله مؤثر تعليمي وطني، بينهما توتر يتفاعلان ويتصارعان. – رصدناهما زمانيا بين 1912 – 1944 ، وستضطرنا المعالجة إلى المراوحة بين إلقاء نظرة تاريخية موجزة على المسألة التعليمية قبل فرض الحماية لنرى ما آل إليه الأمر أثناءها. فعقد الحماية كما يرى عبد الله العروي قد سحب من المخزن جميع السلط، ولم يبق له سوى سلطة الشأن الديني بما فيها التعليم الإسلامي، فمن خلال ما بقي بين يديه سنرى كيف سيسترجع المخزن ما ضاع منه من السلط بطريقة تدريجية .
حقب التعليم المغربية :
يمكن تحقيب المسألة التعليمية المغربية ، بصفة مجملة ، في ثلاث مراحل كبرى :
– المؤثر التربوي الاستعماري :
وهكذا فمنذ فرض الحماية سنة 1912، وهي فترة من فترات العصر الحديث من تحقيبنا، سيعمد المستعمر إلى تضييق الخناق على التعليم العربي الإسلامي الأصيل ؛ والمتمثل آنذاك في أعلى مراتبه في جامعتي القرويين وابن يوسف، دون أن ننسى مستويات التعليم في البادية المغربية، وسينشئ إلى جانبه أنواعا متعددة من التعليم الفرنسي الذي سيوصف بالعصري، مقابل التعليم التقليدي العتيق الذي وجده . وسينبني تعليمه العصري هذا على الطبقية والعنصرية. وهذه أنواعه: أعني تبعا لمنهجنا ، أحداثه ومظاهره .
” أ- تعليم فرنسي مخصص لأبناء الجاليات الأوربية.
ج- تعليم أهلي Indigène خاص بالمغاربة المسلمين، مقسم إلى مدارس خاصة بالذكور ومدارس البنات.
ولغاية 1940 لم يكن بالمغرب سوى عشرات من المدارس الأهلية الابتدائية، وأربع ثانويات بفاس والرباط ومراكش وآزرو .
كان أساس التعليم في المدارس الأهلية هو اللغة الفرنسية، وسمح في مدارس المرحلة الابتدائية، في غير المناطق البربرية، بحصص قليلة للقرآن واللغة العربية، كما سمح أيضا بحصص يسيرة أيضا للعربية والفقه في المرحلة الثانوية“ (3)
يقول Joseph Luccioni ، مراقب عام سابق للأحباس المغربية طيلة فترة الحماية، في كتابه حول الحبس في المغرب من النشأة إلى 1956 “تقرر في ميدان التعليم في المغرب منذ مستهل الحماية ” ما يلي :
لقد ظل هذان النمطان من التعليم منفصلين تمام الانفصال عن بعضهما، لا علاقة لأحدهما بالآخر.
وفيما كان التعليم العصري ممولا تمام التمويل ؛ تجهيزا و تسييرا من الميزانية العامة للدولة، مما ضمن له مسيرة متطورة، مقابل ذلك فإن التعليم الآخر الإسلامي عاش بالكاد، كما يقال، ولمدة عشرين سنة، محافظا فقط على بقائه من غير نمو ولا تطور، والسبب في ذلك عائد إلى خطأ إسناد أمره منذ البداية إلى إدارة الأحباس التي لا تربطها به صرامة ولا تبعات الإلزام، ولا لها من الوسائل ما يجعلها قادرة على تحمل أعبائه”(4).